وتجارتها بوارا وكسادا، والمسلمون يزدادون نشاطا ودأبا، ومن ثم راح زعماء مكة ينتظرون الفرصة لضرب المعاهدة وإبطال شروطها جميعا لأن ثماني سنوات أخرى من الصلح ستؤدي حتما إلى اختناق قريش، وما لبثت الأحداث أن مكنتها من تحقيق هدفها، إلا أنه لم تكن تدري آنذاك أنها تسعى إلى حفر قبرها بيدها وأنها تضع بيد الرسول صلى الله عليه وسلم المعول الذي سيهدم به آلهتها وأصنامها، وسيهيل التراب على قيمها الخاطئة وتقاليدها الظالمة وعقائدها الوثنية إلى الأبد.

ذلك أن بني بكر حليفة قريش، اعتدت في شعبان من السنة الثامنة على خزاعة حليفة الرسول صلى الله عليه وسلم وداهمتها في ديارها فقتلت أحد رجالها، ففزعت خزاعة تدافع عن نفسها، واتسع نطاق القتال وراحت قريش ترفد حليفتها بالسلاح وبالرجال يقاتلون تحت جناح الليل حتى ألجأوا خزاعة إلى الحرم وقتلوا منها ثلاثة وعشرين رجلا، فنادت بنو بكر بزعيمها نوفل بن معاوية: إنّا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فأجاب نوفل: لا إله اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه؟ ورأت خزاعة أن قريشا قد نقضت عهدها مع الرسول صلى الله عليه وسلم إذ أسهمت في قتالها وهي حليفة المسلمين فبعثت عمرو ابن سالم الخزاعي في أربعين راكبا يعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم تفاصيل العدوان ويستنجده على الغادرين، وأعقبه بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة يؤكد ما ذهب إليه عمرو، ولم يزد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن قال لمن حوله: (كأنكم بأبي سفيان قد جاء يشد العقد ويزيد المدة) ، وكأنه صلى الله عليه وسلم اعتزم أمرا لم يشأ أن يكشفه لرسل خزاعة أو لأصحابه حرصا على السرية والكتمان، ولقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ ما لبثت قريش أن أدركت خطأها وأنها ليست بقادرة اليوم على مجابهة غضبة المسلمين وقد ازدادوا قوة وعددا فرأت أن تبعث زعيمها أبا سفيان إلى المدينة على جناح السرعة علّه يعيد الأمور إلى مجاريها ويجدّد مع المسلمين بنود معاهدة كان هو ورفاقه قد قتلوها (?) . التقى أبو سفيان بالرسول صلى الله عليه وسلم وكلمه في الأمر فلم يردّ عليه، فذهب إلى أبي بكر فتوسط لديه أن يكلم له الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ما أنا بفاعل، فأتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال عمر: أنا أشفع لكم عند رسول الله؟ فو الله لو لم أجد إلا الذرّ (الغبار) لجاهدتكم به. فجاء إلى علي وقال: يا علي إنك أمسّ القوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015