أمر بلالا أن يصعد إلى ظهر الكعبة فيؤذن هناك. وبعد ثلاثة أيام من إقامة المسلمين في مكة وأداء مراسيم العمرة، بعثت قريش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من يقول له: إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا، فقفل الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه عائدا إلى المدينة، وصدقت رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم وكلمات الله: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (?) !!
كان لعمرة القضاء- وأحداث الحديبية من قبلها- أثرها الخطير في مكة نفسها، فإن أهلها رأوا من تضامن المسلمين وتعاونهم وتعاطفهم، وحسن نظامهم والتفاهم بينهم، واقتدائهم بنبيهم، ما جعلهم يدركون أن مثل هذه الجماعة لا يمكن الوقوف في وجهها وليس من أمل في التغلب عليها، حتى لقد كانت عمرة القضاء قضاء تاما على روح العناد والمقاومة في قريش، وحتى لقد أدرك عقلاؤها أن من الخير الانضمام إلى محمد، يتمثل ذلك في إسلام خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص وعثمان بن طلحة، حارس الكعبة. وبإسلام هؤلاء الثلاثة أسلم عدد كبير من أهل مكة وأصبحت مكة في حكم البلد الذي فتح أبوابه للدعوة الإسلامية، ولم يبق إلا أن تفتح أبوابها وتسلم القياد للمسلمين (?) ، ومن ثم يمكن اعتبار فتح مكة قد تم للمسلمين من يوم عمرة القضاء لأن هذه العمرة أثرت على معنويات قريش أعظم التأثير. إن عمرة القضاء فتحت قلوب قريش، وغزوة الفتح فتحت أبوابها (?) !!