الشتاء الطويلة (?) ، والحرب النفسية العاتية التي شنتها جيوب المنافقين في صفوف المسلمين مخذلة معوقه مخوفة.. والسهر القاسي في الليالي الطويلة حتى أن محمد بن مسلمة قال: كان ليلنا بالخندق نهارا حتى فرجه الله (?) ، ثم جاء انتقاض بني قريظة علامة خطر أكيدة لمعسكر المسلمين الصامد، فعظم البلاء واشتد الخوف حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يسمح لأحد من أصحابه بالتوجه إلى داخل المدينة ألا وهو يحمل سلاحه حذرا من غدر بني قريظة (?) ، وعن أيام المحنة تلك تحدث القرآن الكريم فيما بعد: ... إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً ... (?) .
نشط الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل على كل الجبهات العسكرية والنفسية لبعث روح المقاومة والصمود في صفوف أتباعه المتعبين القلقين، فراح يرفع معنوياتهم وينفخ فيها الأمل بالنصر في اللحظات التي تتعرض فيها لليأس المرير. إنه، وهم يحفرون الخندق، يؤملهم بأن خيولهم ستطأ في يوم قريب عواصم العالم القديم وستتهاوى تحت وقع سنابكها عروش كسرى وقيصر، وستمرغ بأسيافهم أنوف كانت تستعلي على الناس زيفا وخديعة وكذبا.
وعندما تجيء الأخبار مؤكدة نبأ انتقاض بني قريظة، ينادي: الله أكبر.
أبشروا يا معشر المسلمين (?) ويعدهم بأن مفاتيح الكعبة ستسلم إليه في يوم من الأيام. وزادهم معنوية وصمودا تلك الأمثلة العالية من التضحية والصبر والبطولة ضربها بعض أخوانهم فالتمعت في قلب المحنة شررا تحرك المقاتلون على ضوئه إلى أهدافهم، دفاعا عن المصير الذي صاغوا بدمائهم وأعصابهم جوانب منه، وسينطلقون فيما بعد لإتمام صياغته إيمانا واحتسابا.
وعلى الجبهة العسكرية لم يدع الرسول وأصحابه ثغرة ينفذ منها العدو ولا ترك جانبا يمكن أن يعزز خطة الدفاع والمقاومة إلا اعتمده ونفذه بسرعة، وها هو