موطنه وأيا كانت عشيرته. إنها دولة مفتوحة لا تغلق نفسها على جماعة معينة شأن أية دولة (دينية) أخرى قامت من قبل في التاريخ لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (?) .
إن هذه الدولة فذة في تاريخ البشرية لأنها أقرت مبدأين لا وجود لهما إلا في دولة غير دينية، وأول هذين المبدأين هو حرية الأديان وهي حرية لا تقرها الدولة الإسلامية وتسمح بها فحسب بل إنها تتعهد برعايتها. وثانيهما هو مبدأ تعريف فكرة الوطن والدولة في أوسع معانيها تسامحا وإنسانية وهو مبدأ يكفل المساواة في الحقوق والواجبات الوطنية بين جميع أفراد الدولة على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وعاداتهم (?) .
لقد استكملت دولة الإسلام كل مستلزمات البناء القانوني للدولة والذي يقوم على أركان ثلاثة: الأمة، والسيادة الخارجية والداخلية، ثم الإقليم.. ولكنها ما أخذت مكانها ودورها في التاريخ لواحد من هذه الأركان. فلقد قامت (دولة الهجرة) على (أمة) .. ولكنها أمة تقوم على أساس الفكر والعقيدة، فهي (أمة) لا يمكن حصرها أو ضبطها لأنها لا تحدها لغة أو جنس أو وطن، فقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيدته على كل فرد وقبيلة ومدينة استطاع أن يعرض هذه العقيدة عليها، وترك المجال أمام (الإمكانيات الأيديولوجية) لا (الحتمية الجغرافية) . وكان (لدولة الهجرة) (سيادة) داخلية وخارجية.. ولكنها (سيادة) تحققت في واقع الأمر من أول يوم في الإطار المثالي الذي تطلعت إليه فلسفة القانون إلى وقتنا ولم تفلح في أن تجد له سبيلا إلى التنفيذ. فهي سيادة قائمة على الاختيار الحر في اعتناق الفكرة من جانب الأفراد وفي الاجتماع لإقامة الدولة من جانب المجموع، ومن