قريش اضطهادها ومقاومتها لأتباع الدين الجديد حتى نزل الإذن بالقتال المسلح، قبيل بيعة العقبة الثانية التي أنهت العصر المكي وفتحت الطريق إلى العصر المدني الجديد.
يقول ابن هشام: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل.. وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم، فهم بين مفتون في دينه ومعذب في أيديهم وبين هارب في البلاد فرارا منهم، منهم من بأرض الحبشة، ومنهم من بالمدينة أو في كل وجه. فلما عتت قريش على الله عزّ وجلّ، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه وعذبوا ونفوا من عبده وصدق نبيه واعتصم بدينه، أذن الله عزّ وجلّ لرسوله صلى الله عليه وسلم بالقتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم، فكانت أول آية أنزلت في إذنه له بالحرب وإحلاله له الدماء والقتال قول الله تبارك وتعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (?) ثم أنزل الله تبارك وتعالى:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ... » (?) .
ورغم أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كان معظمهم قد مارسوا القتال في جاهليتهم وعرفوا كيف يحملون السلاح ويستخدمونه في ظروف لا (يبقى) فيها من لا يحمل سلاحا، ورغم أن الأنصار الذين قامت دولة الإسلام في المدينة على أكتافهم قد أعربوا للرسول يوم بيعتهم الأخيرة في العقبة عن قدراتهم في القتال وبأسهم في الحرب وقالوا: «نحن أبناء الحروب ورثناها كابرا عن كابر» إلا أن الظروف الجديدة التي بدأ الإسلام يجتازها، وتصاعد الموقف الحربي بينه وبين القوى الوثنية وبخاصة في أعقاب الهجرة إلى المدينة، ونزول الآيات القرآنية تؤذن ببدء القتال المسلح، حتّم على الرسول أن ينمّي هذه القدرات وأن يدفع أتباعه إلى