في حياة العالم الإسلامي (?) .

لقد أقرت الصحيفة مفهوم الحرية الدينية بأوسع معانيه وضربت عرض الحائط مبدأ التعصب ومصادرة الآراء والمعتقدات، ولم تكن المسألة مسألة تكتيك مرحلي ريثما يتسنى للرسول صلى الله عليه وسلم تصفية أعدائه في الخارج لكي يبدأ تصفية أخرى إزاء أولئك الذين عاهدهم.. وحاشاه.. إنما صدر هذا الموقف السمح المنفتح عن اعتقاد كامل بأن اليهود باعتبارهم أهل كتاب سيتجاوبون مع الدعوة الجديدة وينهدون لإسنادها في لحظات الخطر والصراع ضد العدو الوثني المشترك كما أكدت بنود الصحيفة نفسها- أو أنهم- على أسوأ الاحتمالات- سيكفون أيديهم عن إثارة المشاكل والعقبات ووضع العراقيل في طريق الدعوة وهي تبني دولتها الجديدة وتصارع قوى الوثنية التي تتربص على الحدود. لكن الذي حدث بعد قليل من إصدار الوثيقة، وطيلة سني العصر المدني، غيّر مجرى العلاقات بين المسلمين واليهود وجمد البنود المتعلقة بهم، لا لشيء إلا لأنهم اختاروا (النقض) على الوفاء، والخيانة على الالتزام، والانغلاق على مصالحهم القومية على الانفتاح على الأهداف العامة الكبيرة للأديان السماوية جمعاء.

إن إصدار الوثيقة يمثل تطورا كبيرا في مفاهيم الاجتماع السياسية، فهذه جماعة تقوم لأول مرة في الجزيرة العربية على غير نظام القبيلة وعلى غير أساس رابطة الدم، حيث انصهرت طائفتا الأوس والخزرج في جماعة الأنصار ثم انصهر الأنصار والمهاجرون في جماعة المسلمين، ثم ترابطت هذه الجماعة المسلمة مع اليهود الذين يشاركونهم الحياة في المدينة إلى أمد ولأول مرة بحكم القانون حيث ترد الأمور إلى الدولة، ومن خلال تغيير شامل وتحول سريع طوى الدستور صفحة اجتماعية طابعها القبلية، وفتح صفحة جديدة أكثر إيجابية وأقرب إلى الترابط والتكافل والوحدة الفكرية (?) .

ثالثا: المؤاخاة:

وخطا الرسول صلى الله عليه وسلم خطوته الآخرى التي أراد أن يحل بها الأزمة المعاشية التي اجتاحت المهاجرين بعد مغادرتهم مكة، وينظم علاقاتهم الاجتماعية بإخوانهم الأنصار، ريثما يستعيد المهاجرون مقدرتهم المالية ويتمكنوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015