بالنسبة لأناس ينظرون من الخارج، لكن القضية بالنسبة للعبد نفسه لا تعدو أن تكون قضية (علمية) تعتمد قوانين الروح وطاقاتها لتسخير الأشياء والموجودات، ولتحطيم الحواجز الخارجية للزمان والمكان..
لقد كشف العلم الطبيعي، نفسه، وفي العقود الأخيرة، ومن خلال تحليله لخواص المادة وتوغله في تركيبها الباطني، عن حقيقة خطيرة، هي أن الطاقة أو الحركة إنما هي قاعدة المادة وأساس الأشياء، وأن تركيب الذرات وما تحتويه من تكوينات أدق كالنيوترونات وما تضمه هذه من تركيبات أشد دقة وضالة يؤول في نهاية المطاف إلى طاقة حركية غير مادية هي التي تتشكل منها الذرات والجزئيات، وهي التي تصوغ في (سرعتها) و (إبطائها) وطبيعة حركتها أشكال الأشياء الصلبة والسائلة والغازية!
فإذا كانت الوحدة الأساسية للبناء الطبيعي المادي قد تكشفت عن الحركة اللامادية أفلا يمكن القول إذن بأن الطاقة الروحية التي تتميز بالوعي والانفصال والامتثال والاستشراف والإرادة يمكن أن تتعامل مع هذه الطاقة (اللامادية) بشكل من الأشكال، وتطوعها لأمرها فتذعن وتلبي؟ إن إشارة ضوئية غير ملموسة توجه مركبة فضائية في غاية التعقيد إلى أهدافها في ظروف تقرب من المستحيل لغير المتوغلين في قوانين العلوم الرياضية والطبيعية، أفلا يمكن لإشارات الروح أن تحقق في عالم الطبيعة ما هو أكثر استحالة وإعجازا لمن لم يعرف، ولن يعرف، عن الروح إلا قليلا؟
إن انهيار الأساس المادي للأشياء، الذي كشف عنه العلم أخيرا، يقربنا خطوات من فهم وإدراك طبيعة التعامل بين الروح والمادة، ولكنها خطوات نحسب أنها ستطلعنا على وحدة البناء الكوني، فوحدة خالقه جل وعلا، ولكنها لن تطلعنا بحال على كل أبعاد وخصائص الروح الإنساني، ولا على كل سننه وقوانينه. هذا الروح الذي هو نفخة الله في الطين، ومصدر الحياة والفكر والإرادة والتقدم، سيظل مستغلقا على الإدراك والتحليل الكاملين، لأن خلافتنا على الأرض لا تقتضي هذا التكشف الكامل، ولأن المقادير الضئيلة التي يمنحنا الله إياها في عالم الروح، توازي فاعليتها المقادير الضخمة التي مكننا من معرفتها في عالم الطبيعة. وهذا التوازن الحضاري الفذ بين الروح والمادة في ميدان الكشف والمعرفة، هو ما يقودنا إليه في حشد كبير من الآيات التي تدعونا إلى أن نفتح كل