ورد في البخاري عن مالك بن صعصعة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل على (براق) يضع خطوه عند أقصى طرفه انطلق به بصحبة جبريل إلى السماوات السبع ... إن البراق، هذا الذي يضع خطوه عند أقصى طرفه والذي يقطع المسافات الشاسعة في لحظات، يشتق اسمه من عالم الضوء والكهرباء، وهي تسمية ذات مغزى عميق جاءت في عصر لم يكن أحد فيه يعرف شيئا عن قوانين الضوء وسرعته وطاقات الكهرباء وإمكاناتها، وهي كما يبدو رمز مدهش للتعبير عن الانسجام الكامل بين رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين سنن العلوم وقوانينها، تلك الرحلة التي لم يرد لها أن تكون إعجازا يفحم المشركين بعد إذ لم تقنعهم معجزة القرآن ذاتها، بقدر ما أريد لها أن تكون رحلة تكريم يطلع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على أطراف الكون الذي أبدع الله صنعه وأتقن حبكته، وإن كان من بديهات القول أن بإمكان الله سبحانه أن يتجاوز السنن والقوانين في أية لحظة يشاء، لأنه جلت قدرته صانع السنن والقوانين. لكن هذه الحقيقة الكبيرة لا تمنعنا من القول بأن رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن تجد لها تفسيرا وتحليلا على نطاق الطبيعة والرياضيات لا يتجاوز- بطبيعة الحال- الظن والتخمين ...
وفي صبيحة اليوم التالي عندما تحدى مشركو مكة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس إن كان رآه حقا، طفق الرسول يصفه وكأنه معروض عليه عرضا، أزقته وأسواقه وباحاته وكنائسه وطرقاته. عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما كذبتني قريش قمت في الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه» !!
وأنا أنظر إليه!! لحظة من لحظات تجاوز الأبعاد والحواجز الزمانية والمكانية تعتمد السنن نفسها التي نقل فيها عرش بلقيس وأسري بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى القدس ثم عرج به في جزء من ليلة إلى أقصى الكون.. السنن التي جعلت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فيما بعد يصرخ وهو في مسجد المدينة (يا سارية الجبل.. الجبل) سارية الذي كان يقاتل في العراق ويتعرض وجنده لكمين قاتل.
هذا عن سنن الكون في أبعاده المادية، فماذا عن الروح وطاقاتها وأساليبها في التعامل مع النواميس؟ إن الله سبحانه الذي هو صانع السنن والقوانين يهب بعض عبادة القدرة الخارقة التي يتمكن بها العبد من طبيعته الخاصة ومما يحيط بها من أشياء وموجودات، فيصنع المستحيل. وتبدو هذه (المستحيلات) خوارق