بين الغني والفقير ويقظة للضمير الإنساني، والشعور الأخوي بما يقاسيه أنضاء الحرمان وتعساء الحظ من عنت وبؤس وشقاء في هذه الحياة وفي يقظة الضمير شفاء الإنسانية من كوارثها ونكباتها يروي أن امرأة من العرب كانت جوادة مفرطة ولاسيما على الفقراء المساكين حتى تضرر منها أهلها فحبسوها ومنعوها الطعام والشراب أياما متتابعة ظنا منهم أن الجوع يجعلها تعرف قيمة المال فتحافظ عليه ولا تضيعه، ولكن تجربتهم أخفقت ودرسهم العملي أحدث عكس المطلوب منه إذ بعد أن وثقوا من تأديب الجوع لها أخرجوها وناولوها كيسا من الدراهم، وما إن رأت أول سائل حتى ناولته الكيس جميعه قائلة: إنني أبذل ما أبذل وأنا لا أعرف ما يقاسيه المعدمون من بلاء، أنا الآن وقد ذقت طعم الجوع وتجرعت مرارته فإني أعاهد الله أن لا أجد شيئا إلا أسرعت ببذله في الحال (?).

ودخل على بشر الحافي أحد أصدقائه في يوم شديد البرد وقد تعرى من الثياب فقال له: "يا أبا نصر: إن الناس ليزيدون الثياب في مثل هذا اليوم وأنت تتعرى فقال: ذكرت الفقراء وما هم فيه ولم يكن لي ما أواسيهم به فأردت أن أشاركهم في مقاساة البرد" إن يقظة الضمير هذه هي التي خلت منها ضمائر الناس وحل محلها أنانية مفرطة ملحة شغلتهم عن كل خير وحالت بينهم وبين التفكير في الغير.

إن المسلمين- مع الأسف- جردوا صيامهم من كل ما هو روحي وتركوه هيكلا فلم ينتفعوا به ولم ينبه مشاعرهم ولم يوقظ ضمائرهم، كيف ينبه المشاعر أو يوقظ الضمائر هذا الصوم الآلي المادي الذي هو أشبه بالعادة منه بالعبادة؟ فليس فيه إلا تكالب على الشهوات وانهماك في إعداد (الحلويات) والعناية بالشكليات دون المعنويات.

كم أعجب حينما أرى انهماك سكان العاصمة في (تبييض) بيوتهم استعدادا لرمضان وأقول: لو كانت العناية بالقلوب كالعناية بالجدران، ولو (بيضنا) قلوبنا كما (نبيض) بيوتنا لما غضب الله علينا وسلط علينا من لا يرحمنا، والإسلام دين النظافة ولكن ليست نظافة الثوب والبدن (والمنزل) فقط، ولكن نظافة القلب قبل ذلك، والدين لا يتصل بالثوب كما يتصل بالقلب:

ما بال دينك ترضي أن تدنسه … وثوب جسمك مغسول من الدنس؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015