استقبال رمضان

سمعت في هذه الأيام حوارا دار بين رجلين، قال أحدهما- وهو شاب إفرنجي النزعة والزي واللسان ها هو رمضان قد جاء يزحف فاغرا فاه كالأفعوان يريد أن يبتلعنا، أو كأنه الرقيب يفرق بين الحبيب والحبيب، إنه جاء ليختم على أفواهنا ويبدل شبعنا جوعا ورينا ظمأ ونومنا سهرا وراحتنا تعبا. فأجابه الثاني- وهو كهل وقد خط الشيب عارضيه، وبعث بأول رسله إليه-: أما أنا فإنني متشوق إلى رمضان، اشتياق الظمآن إلى البارد العذب.

فقهقه الشاب إستخفافا بهذا الجواب وأردف قائلا: وماذا يشوقك من شهر يمنعك في النهار لذيذ الطعام، ويمنعك في الليل لذيذ المنام؟

فأجابه الكهل الوقور بقهقهة مثل قهقهته وأردف-هو الآخر- قائلا: ما أشد غباوتك، إن الذي يبغض إليك رمضان هو الذي يحببه إلي، ويجعله أثيرا لذي، فإن هذا الإضراب عن الطعام والشراب هو الذي يحفظ على صحتي، ويمسك علي توازني، ولذلك فإني لا أجد راحتي وصحتي واعتدال مزاجي إلا في هذا الشهر الجميل الطلعة الميمون النقيبة، أما في غيره فإني أقضي أيام السنة كلها مريضا متألما فكيف لا يشتاق المريض إلى شفائه وذهاب دائه؟ ولكنكم أيها الشبان لا تعنون إلا باللذة العاجلة وإن كان فيها تلفكم، وقلما تفكرون فيما وراء ذلك، وهذا ما يجعلكم تحكمون على الأشياء أحكاما زائفة خاطئة. إن هذا الحوار القصير الذي دار بين الرجلين ليكشف لنا عن حقيقة مرة يجب أن لا نغفل عنها وهي جهل الكثير من أبنائنا بتعاليم دينهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015