الغرور

ما أقوى مفعول هذا المرض، وما أشد فتكه بالنفوس، وما أكثر ما يتوالد عنه من أمراض، وما أسرعه إلى رجال الفكر والعمل، وما أبعد المبتلى به عن معرفته بنفسه وتواضعه لإخوانه وانقياده للحق، واعترافه بالخطأ ورجوعه إلى الصواب!!!

والمغترون أنواع وأشكال: فمنهم المغتر بماله وولده، ومنهم المغتر بعلمه وعمله ومنهم المغتر بشعره وأدبه، ومنهم المغتر بمنصبه ووظيفته، ومنهم المغتر بزيه وشارته، ومنهم المغتر بجماله ووسامته، والكل جاهل لقدره، غافل عن حقيقته، مستدرج بما سيق إليه، مفتتن بما منح إياه، قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}، {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}، {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ}، {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} ..

فلا عجب- وهذا المرض بهذه الخطورة- أن يقاومه الإسلام مقاومة تستأصل جذوره، وأن يزيح الستار عن مخازيه بما يفضح كل مغرور ويكشف غروره.

ولما كان الغرور ينشأ من غفلة المغرور عن أصل خلقته ومادة تكوينه، كان القرآن لا يفتأ يقرع سمعه بمثل قوله- تذكيرا بأصله-: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ}.

قال عبد الله بن مطرف، للمهلب بن أبي صفرة- وقد رآه لابسا حلة، وهو يسحب ذيلها على الأرض ويمشي الخيلاء-: ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟ قال: أما تعرف من أنا؟ قال: بلى، أعرفك أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015