وإذا بي أجد في أنسى روعة الملك- في التعبير عن قدرة الله- بجانب روعة الخلق الي تتلوها في قوله تعالى-: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}، فإن الملك قد يبدو لبسطاء العقول أنه غير خاص بالله وحده، قياسا على ما يملكون من توافه الأشياء، أما الخلق فهو الصفة الخاصة بالله وحده التي لا يشاركه في جزء من أجزائها أحد من خلقه ولذلك تحدى الله بها عبدة الأوثان وما يعبدون، إذ قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، وإن كل ما وصل إليه العلم، وما سيصل إليه في المستقبل من عجائب الاختراع، لا يبلغ أن يخلق ذبابا، وسيبقى الفارق بين المخلوق والخالق، ينطق به المعنى الذي في اسم المخلوق، وفي اسم الخالق، وإلى هذا الفارق يشير قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ}؟، والموت والحياة أعظم ما خلق الله، إذ يدخل تحتهما كل ما خلق الله، ولذلك يجيء التمثيل للخلق بالغا- في الشمول والقدرة- منتهاه، وإن في الجمع بين الموت والحياة لحكمة سامية، فإن لكل منهما مسؤلية في أعناق الناس، فلا بد من العمل للحياة، التي خلقها الله لأن نحياها كما أمر الله، ولابد من العمل للموت الذي جعله الله بابا للحياة الأخرى التي يلقى فيها كل عامل جزاء ما قدمت يداه، وبالموت والحياة تتم الحكمة الإلهية من خلق الإنسان، وهو ابتلاؤه بطاعة الله، وامتحان سلوكه في الحياة وجزاؤه عليه بحسابه في أخراه، لذلك جاء التعقيب على خلق الموت والحياة، بقوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، بالغا في تجلية هذه الحكمة مداه.

ثم أحس بسر عميق يكمن في {خَلَقَ الْمَوْتَ}، وهو أن الناس يغفلون عن حقيقة الموت، ويعتقدون أنه عدم محض، لا ينتاوله الخلق، فجعله هذا التعبير القرآني المعجز، كائنا وجوديا قائما بنفسه، يتناوله الخلق، وتتوقف عليه حكمة الحياة، ويحسب له كل حساب، بل إن مرحلة الحياة ليست إلا استعدادا للمرحلة الطويلة التي تبتديء بالموت، وتنتهي إلى الحياة التي لا تنتهي بالموت، وهي الحياة الحقيقية، التي أحسن التعبير عنها أبو العلاء المعري إذ قال:

خلق الناس للبقاء فضلت … أمة يحسبونهم للنفاد

إنما ينقلون من دار أعما … ل، إلى دار شقوة أو رشاد

هذا الموت، هذا الكائن الجبار، هذا العملاق الهائل المفزع الذي تطأطيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015