القضاء على الداء

بعد كتابة الفصل السابق (مجد يجب أن يحتذى) وقراءته ومراجعته خطرت لي فكرة، وهي أن طب النفوس- مثل طب الجسوم- يجب أن يكون الغرض منه القضاء على الداء، بالمواظبة على الدواء، لا مجرد تناول الدواء، وهو على هذا يجب أن لا يخضع لفكرة اختيار الجديد من الموضوعات، إذ الأهم والأنفع لأمة مثلنا، هو تكوين مجتمع طاهر وتهيئة جو صالح، وإعداد جيل أمثل، وإذن فمتى اكتشفنا داء من أدوائنا الاجتماعية وأخذنا في مقاومته، بالدواء الذي رأيناه ناجعا في إبادته وجب أن لا نترك الدواء قبل القضاء على الداء، ومعنى ذلك أنه لا يجب أن تكون هذه الفصول كفصول الرواية وأدوارها تعرض عرضا سريعا متلاحقا، إذ أن أكثر ما تطلب له مشاهدة الرواية هو التسلية وحب الاستطلاع، أما الأمر في مقاومة الأدواء فعلى العكس من ذلك، يجب الإمعان في العلاج والمواظبة على الدواء، حتى يقضي على الداء، والداء الذي أدركنا خطره، ولمسنا أثره، وشاهدنا صرعاه أكثر من غيره، هو هذا الضعف الإنساني، والمرض النفساني، الذي يستبد بالرجل الأناني فينزع من قلبه الرحمة والمحبة والإخاء، ويدس في زواياه النقمة والحقد والبغضاء، يدخل البيوت فيشتت شملها، وتسرى عدواه إلى الاحزاب والهيئات فيمزق وحدتها، ويصيب رابطة الأخوة، فيزعزع كيانها، ويصدع بنيانها، ذلك هو حمى الغضب وشهوة الانتقام، وغريزة مقابلة السيئة بالسيئة التي لا تطفيء الشر، بل تزيد ناره ضراما، وشدته عراما.

إن داء كهذا الداء، ينطوي على أخطار كهذه الأخطار، لا يكفي في استئصاله فصل واحد، بل ولا كاتب واحد، بل ما أحراه بأن تحبر فيه فصول وترصد له جهود من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015