جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه وقال لهم: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وأعطى صفوان بن أمية مائه من الإبل ثم مائة أخرى ثم مائة أخرى فكان صفوان يقول: كان محمدا أبغض الناس إلي فما زال يعطيني حتى صار أحب الناس إلي، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل من الدنيا وسيلة إلى الدين، ومن المال مناقذا الضلال وهو صلى الله عليه وسلم قدوة لأمته في كرم الفعال وطيب الخلال فاقتدى به أصحابه وسار على منهاجه أتباعه فلم يكن المال في أيديهم إلا زلفى إلى الله وأداة إصلاح للمجتمع.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خرج من ماله لله ثلاث مرات وورد عليه في أول خلافته مال من بعض العمال فصبه في المسجد وأمر مناديا ينادي: من كان له عند رسول الله دين أو عدة فليحضر، فجاء أبو أيوب وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: إن جاءني مال أعطيتك هكذا أو هكذا وهكذا وأشار بكفيه فقال له أبو بكر: فاذهب فخذ، قال: فحفنت حفنة فقال: عدها، فوجدت فيها خمسمائة دينار فقال: عد مثليها، فانصرفت بألف وخمسمائة، ثم قسم الباقي على المسلمين.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضيق على نفسه ويوسع على المسلمين ويغمرهم بالعطاء وقول: إذا أعطيت فاغمر، ولما فتح العراق وجيئ إليه من المال بما لم ير مثله قيل له: أدخله بيت المال، قال: لا ورب الكعبة لا يرى تحت سقف بيت المال حتى يقسم فغطى في المسجد بالأنطاع وحرسه رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح ورآى الذهب والفضة والياقوت والزبرجد بكى، فقال له بعض الصحابة: ما هذا يوم بكاء ولكنه يوم شكر وسرور فقال: والله ما كثر هذا في قوم إلا رجع بأسهم بينهم ثم توجه إلى القبلة وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا فإني سمعتك تقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} ثم قال لهم: أين سراقة؟ فأتى به أشعر االذراعين فأعطاه سواري كسرى وقال: إلبسهما، ففعل فقال: قل: الله أكبر، ففال: الله أكبر، فقال: قل الحمد لله الذي سلبهما كسرى لكفره وألبسهما أعرابيا من بني مدلج لإيمانه ولم يعط سراقة شيئا زائدا على السوارين فإن فيهما غنى الدهر، وكان ذلك تصديقا لما تنبأ به صلى الله عليه وسلم إذ نظر يوما إلى ذراعي سراقة فقال له: كأني بك وقد لبست سواري كسرى فقال سراقة: ملك الملوك؟ قال: نعم، وقال عمر لما قسم تلك الأموال: