بينما كنت أجوب شوارع العاصمة، في أمسية حالمة- وأنا أفكر فيما يجب أن نتناوله من (عملية التطهير) التي دعوت إليها في (نفس هذا المكان) من الأسبوع الماضي- إذ مررت بمقهى مزدحم بالنالس وهم مكبون على موائد النرد والووق في نهم شديد، وصخب بالغ، وضوضاء تصم الآذان، فتأملتهم وتفرست وجوههم، فإذا هم شبان، من أبناء البلاد، وأحفاد العروبة والاسلام، وإذا بي أقف فجأة كأن قدمي سمرتا أو قيدتا أو اعترض وجهتي سد منيع، وقلت: من هنا نبدأ، فقد عثرت على ضالتي، وإن غصصت بريقي، وشرقت بدمعي، وليسمح لي القراء، بإرجاء ما وعدتهم به إلى فرصة أخرى.
فهؤلاء الشبان- الذين يذوون زهرة شبابهم، ويبلون غض إهابهم، في عبث لا طائل تحته هم عماد الأمة، ورأس مالها، وزهرة أملها، وثمرة مستقبلها، وإذا تركوا هكذا، قضوا على أملها، وجنوا على مستقبلها، وعجلوا بشر مآلها، وحضور أجلها- لا قدر الله- هؤلاء الشبان يجب أن ننقدههم من هذه البيئة الفاسده التي تقضي على البقية الباقية من تراث العروبة والإسلام، ونستبدلهم بها بيئة صالحة طاهرة ينمو في ثراها عنصر الدين والخلق والعزة والشرف، يجب أن ننقلهم من بيت الشيطان إلى بيت الله، يجب أن نخرجهم من المقهى وندخلهم إلى المسجد، يجب أن نطهرهم سريعا، وإلا قضت عليهم الجراثيم المبيدة سريعا.
ولكن كيف السبيل إلى هذا؟ ومن أين الوصول إلى هؤلاء؟ إن الدرس والخطبة في المسجد والمدرسة، لا في الشارع والمقهى، وهؤلاء منقطعون الصلة بالمسجد والمدرسة