أيها المسلم: إنه لا بد لك في هذه الحياة الطافحة بالمصائب والويلات من أخ تبثه شكواك، ويعينك على بلواك، فاختره من ذوي الدين والمعرفة، ومن أهل الصدق والمروءة، من مثل أولئك الذين عناهم الشاعر بقوله:

إن أخاك الحق من كان معك … ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الرمان صدعك … شتت فيه شمله ليجمعك

فإذا ظفرت بهذا الأخ فحافظ عليه، واحذر أن يفلت من يديك، فقد قيل: أعجز الناس من فرط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم، والرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال، ولله در القائل:

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة … ولكن إخوان الثقات الذخائر

وإياك ان تصحب كل من سرك لقاؤه، وأعجبك كلامه، فكثيرا ما سر المظهر، وساء المخبر، وفي الناس المنافق، وذو الوجهين، ولا سيما في هذا العصر المادي، وإن الإخوان- كما قال المأمون:- ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء لا يحتاج إليه إلا أحيانا، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا.

وإذا تطلعت نفسك إلى المثل الأعلى للصديق، فاقرأ الأمثلة التالية:

قال محمد الباقر، لأصحابه: أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدراهم والدنانير؟ قالوا: لا، قال: فلسم إذن بإخوان.

وقال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئم: رجل بدأنى بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إلي، إرادة التسليم علي، فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله عز وجل، قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلا لحاجته فأنزلها بي.

ولما طلب عبد الحميد بن يحيى الكاتب (كاتب مروان- آخر خلفاء بني أمية) حين تغلب بنو العباس عليهم-،كان صديقا لابن المقفع- فاجأهما الطلب وهما معا في بيت، فقال الذين كلفوا بالقبض عليه: أيكما عبد الحميد؟ فكل واحد منهما قل: أنا- خوفا على صاحبه- وخشي عبد الحميد أن يسرعوا إلى ابن المقفع، فقال: ترفقوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015