كان رجل من الصحابة عليهم الرضوان، مواظبا على الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخلف، وكان شديد الفقر ممزق الثوب، ولما صار ثوبه من التمزق بحيث لم يعد يستره اضطر إلى أن يتخلف عن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم عدة أيام، فرقت له زوجته وأعارته ثوبها حتى لا يحرم من الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له: عد إلي فور فراغك لأأدي صلاتي في وقتها، فصلى وانفتل راجعا إلى زوجه، ولما لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم سأل عنه فقال له أهل المجلس: إنه فر من المسجد، فأمرهم بحضوره إليه بعد فراغه من صلاته في اليوم التالي- قبل خروجه- ولما حضر إليه سأله عن سبب خروجه، فقال له: إني وزوجي لا نملك إلا ثوبا واحدا فحرصت على الصلاة خلفك وحرصت زوجي على الصلاة في أول الوقت، فرق له النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه ثوبا، ولما عاد إلى بيته سألته زوجته عن سبب تأخره فأخبرها مما كان فقالت له: يرحمك الله، أتشكو ربك لرسوله؟
من خلال هذه القصة الرائعة يتراءى رصيد ضخم من الإيمان القوي ونبع فياض من الخلق النبيل وتلك هي مدرسة الإيمان في أوج عظمتها إذ كانت تخرج للناس هذه الأمثلة الصالحة من أبناء هذا الكوكب الأرضي، وتتحف هذا العالم الغارق في ماديته وأنانيته بمثل هذه اللوحات الرائعة القيمة التي ترتسم عليها ظلال الروح الإنسانية السامية، ولكن هذه المدرسة الفذة- ويا للأسف- لم تعد تخرج إلا القليل النادر من هذه الروائع الخالدة، ويخشى إذا استمرت الحال على ما هي عليه أن تغلق هذه المدرسة أبوابها فتقفر الدنيا من هذه الكواكب اللماعة في سمائها، فإن هذه الأرض: هذا الكوكب المظلم لا يصلح حاله بدون هذه النيرات تضيء أرجاءه وتطرد أشباح