وإن الشعب لا يسير أهدافه إلا على قدمين قويتين من قوة إدراك الشيوخ، وقوة عزم الشباب، وإذا كان الشباب يمتازون بقوة عضلاتهم، فإن الشيوخ يمتازون برصيد ضخم من التجارب، وقدرة بلا عقل يوجهها ربما تضر أكثر مما تنفع، وعقل بلا قدرة تنفذ خططه وبرامجه لا يفيد صاحبه، ومن هنا يقول أحد شعرائنا:
آهان لو عرف الشبا … ب وآه لو قدر المشيب
ويقول توفيق الحكيم.: " في الشباب يثمر الخيال والشعور والعاطفة، وفي الكهولة ينضج العقل والحكمة والتجارب، فلكل فصل من فصول العمر فاكهته".
هذا في الدروس، وفي المطالعة لاحظت عيبا آخر، فقلما رأيت من يسجل في مذكرته ما يصادفه أثناء مطالعته مما يحتاج إليه في درس أو محاضرة أو مقال، ليجده وقت الحاجة إليه ولا يضطر إلى إنفاق وقت طويل في البحث عنه في ثنايا الكتب المطولة، وربما لا يظفر به، وهذا بالنسبة للذين يطالعون الكتب القيمة، ولكن كثيرا جدا يقضون حياتهم في مطالعات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأكثر منهم من لا يطالع بالمرة، فيعيش في جدب عقلي لا يطيقه إلا موتى القلوب.
وأرى أن من أهم الأسباب في ذلك كله، هو أن الطبقة المثقفة ليس لها وحدة تربطها وتجمع أفرادها للتعاون والتشاور وتبادل وجهات النظر.
ولعل الله يعيننا على تحقيق ذلك قريبا إن شاء الله.