(قليل المال تصلحه فيبقى … ولا يبقى الكثير مع الفساد)
المال مال الله قبل كل شيء يدل على ذلك صريح القرآن: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وإنما عباده مستخلفون فيه يشهد لذلك صريح القرآن أيضا: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} ولكن أرباب المال حسبوا أنفسهم أربابا للمال، ولم يفهموا - أو لم يريدوا أن يفهموا- أن المال مال الله وهم خلفاؤه عليه، ومن هنا تبدأ العقدة فهم إذ حسبوا أن المال مالهم ضربوا دونه الأسداد وشحوا به على المحتاجين والفقراء من إخوانهم ثم أطلقوا فيه أيديهم يبعثرونه في شهواتهم وملذاتهم فجمعوا بين رذيلتي الشح والإسراف وتسابقوا إلى إسخاط الله وإسخاط إخوانهم الفقراء الذين فرض الله حقوقهم في هذه الأموال، وأصبحت هذه الأموال تصرف في كل شيء إلا فيما ينفع هذه الأمة ويصلح شأنها ويحفظ كيانها، وإذا كان للأمة أعداء حقيقيون فهم أغنياؤها الذين جمعوا أموالهم منها ثم بخلوا بها عنها، والمال جعله الله وقود الأعمال فإذا شح الناس بالمال تعطلت الأعمال وصاحب هذه الجريمة والمسئول عنها هم أغنياؤنا (المحترمون) الذين لا يشعرون إلا بأنفسهم ولا يحترمون إلا شهواتهم ولا يحتفلون بالأمة التي أغنتهم فأفقروها وسمنتهم فأهزلوها، حاشا فئة منهم عرفت ما لها وما عليها وتغلبت على أنانيتها وأشركت إخوانها في ماليتها فظهر عليها فضل الله ونعمته وكافأها بمحبة الخلق في الدنيا وبخلود الذكر على الألسنة، والقلوب {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}. أما أولئك الذين بخلوا بما أوتوا وشحوا بما منحوا ومنعوا عباد الله من مال الله، {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ