وهذا هو الشيخ المراد في قول ابن عاشر:
يصحب شيخا عارف المسالك … يقيه في طريقه المهالك
كما أنه هو المراد من وجهة النظر الصوفية، فإذا كان هذا الشيخ هو المقصود فإن الإسلام لا ينكره بل إن المسلمين اليوم لفي حاجة شديدة ملحة إلى مثل هذا الموجه الكفء الذي يأخذ بزمامهم إلى الغرض النبيل، في أقوم سبيل، ويعيد إليهم عهدا كان في مخيلة البشرية حلما من الأحلام، فحققه الإسلام، أما هذا الشيخ الذي يفرض على كل إنسان، وإلا تسلم زمامه الشيطان، فهذا مما لا نعرفه في كتاب الله، ولا سنة رسول الله، ولا سنة خلفائه الراشدين، ولا في أقوال الأئمة المجتهدين.
وإن الشيطان لا يدخل قلبا يعمره الإيمان بالله، والإلتجاء إلى الله، وإنما يدخل القلوب الخربة من الإيمان الخاضعة لهوى النفس، وإرادة الشيطان،: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}.
نعم إن قولهم: من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه، ليس بآية ولا بحديث، وإنما هو قول بعض مشائخ الطرق المتأخرين لعلهم أرادوا به توجيه الأنظار إلى دعوتهم وتكوين الأتباع والأنصار لها، أو قيل في وقت جف فيه معين العلم، وقل علماء الدين وخيف على الحاسة الدينية أن تنعدم، أو قيل في جماعة خاصة ركبت رأسها وتمردت على نظام بيئتها، فأريد ضبطها بهذه الطريقة تحت تصرف قائل هذه الكلمة الذي لا بد أن يكون قد عرف بالصلاح والتقوى وسداد الرأي.
ذلك لأننا إذا رجعنا إلى كتاب الله الذي هو المورد الأصيل للتشريع نجد أن الله لم يأمرنا بطاعة أحد من خلقه وإنما أمرنا بطاعة رسوله فقط التي ليست إلا طاعة لله إذ قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} حتى أبوينا لم يقل لنا: أطيعوهما وإنما أمرنا بالإحسان إليهما إذ قال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وإذ قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وحتى طاعة أولي الأمر في قوله تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}،