وهذا طبيب من أطباء القلوب يفحص قلوب الناس فيجدها قد ماتت ثم يبحث عن أسباب موتها فيجدها عشرة: ترك القيام بحق الله بعد معرفته، وعدم العمل بالقرآن بعد قراءته، وترك العمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مع ادعاء محبته، وعدم الإستعداد للموت مع التظاهر بخشيته، وطاعة الشيطان مع ما ثبت من عداوته وارتكاب ما يقحم في النار مع التظاهر بشدة الخوف منها، وعدم العمل للجنة مع شدة الشوق إليها، وأكل نعم الله بلا شكر عليها، ودفن الموتى بدون اعتبار بهم، واشتغالنا بعيوب الناس ةإغضاؤنا عن عيوبنا.
ثم يرى أن هذه الأسباب كانت مجلبة لغضب الله وإعراضه عن قبول دعائنا. ورسول الإسلام- عليه الصلاة والسلام- يجعل لعدم استجابه دعائنا، سببا آخر: هو عدم تورعنا عن الحرام.
ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له أي فلا تكفي الأعمال الصالحة- في ظاهرها- مع صدور هذه الأعمال عن أناس نبتوا من الحرام ثم غذوا- في صغرهم- بالحرام، ثم كان مطعمهم ومشربهم- في كبرهم- من الحرام، أي أن هذه الأعمال مصدرها غير صحيح فهي غير صحيحة، وإذا لم تكن صحيحة فهي غير مقبولة، ولذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنه: "من أكل لقمة من حرام لم يقبل الله عمله أربعين صباحا".
وإذا كان عملنا غير مقبول فدعاؤنا- طبعا- غير مقبول، لأن الصلة التي بيننا وبين الله هي هذه الأعمال التي أمرنا بها وجعلها بمنزلة الخيوط الممتدة بيننا وبينه، فإذا ردها علينا فأي شفيع بقي لنا عنده نتوسل به في قبول طلباتنا؟.
وإذن فقد عثرنا على السر في خذلان الله لنا ورده لطلباتنا ورفضه لإجابة دعواتنا: إننا أكلة حرام ونبت حرام، وهو ما جعل قلوبنا ميتة، ولا عجب فهي