من طبيعة الإنسان أنه طالب ربح، ومن هنا كانت آماله الواسعة ومطامعه البعيدة ومناوراته الكثيرة، ومن هنا كان شرهه العظيم، وحرصه الشديد، ولكنه- لجهله وغباوته وأثرته وأنانيته- كثيرا ما يؤدي به طلب الربح إلى خسارته، في دنياه وآخرته، ولنظره القصير كثيرا ما يؤثر التافه الحقير على الأهم الكثير، ويختار ما هو أدنى على ما هو خير، وما يفنى على ما يبقى لأن من طبيعة الإنسان- كذلك- أنه مولع بطلب العاجل، وإيثاره على الآجل ولو كان أعظم وأدوم، وذلك معنى قوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ولا عجب فالله- أيضا يقول: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} فالإنسان- إذن- تاجر يطلب الفائدة المعجلة ولو كانت يسيرة، على الفائدة المؤجلة ولو كانت كثيرة، والإسلام لا يصادم الفطرة لأنه دين الفطرة، ولا يقف في طريق ربح الإنسان، لأنه لم يشرع إلا لسعاده الإنسان، بل يعينه على تحقيق ربحه ويمهد له السبيل إليه، بل يدعوه دعوة صريحة ويحثه عليه، إذ يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} ويقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} بل إن الإسلام- في ذاته- متاجرة مع الله، نعم إن الإسلام تجارة لها ربح ورأس مال، كما لكل تجارة، بل إن هذه التجارة لها ربحان، ربح معجل وآخر مؤجل في مقابل رأس مال يسير المؤونة لا يشق على أحد، لأن الله أرحم بعباده الذين خلقهم، من أن يكلفهم بما لا تسعه طاقتهم، ولقد أجمل هذه التجاره في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *