وإذا كان الشيطان قد صرح عن عداوته للإنسان، فإن الإنسان لم يزل حليف الشيطان يأتمر بأمره، وينتهي بنهيه رغم أن الله يقول: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} ويؤكد هذا النهي بيان ما يدعو إليه هذا العدو الكاشح الذي يلبس للإنسان ثوب الصديق الناصح إذ يقول- بعد الآية المتقدمة-: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} بل إن القرآن لا يأتلى يحذر من كيد الشيطان ويحرك مشاعر الإنسان ويثير مكامن الغيرة فيه، فلا يسمع لنصائحه المبطنه بالغش حتى لا تغتاله غوائله وتصطاده حبائله، كقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}.
فأي تحذير من إغواء الشيطان كهذا التحذير؟ وأي إثارة لعوامل الغيرة والحمية في نفس الإنسان كهذه الإثارة؟ وإلا فأي عداوة أشد من عداوة من سعى في نفي أبويك من الفردوس الخالد وإخراجهما عاريين إلى دنيا الكد والكدح وتحصيل القوت والكساء فيها بالجهد والنصب؟ وهل يريد بك خيرا من أراد بأبويك شرا؟ هل ينصحك من غش أبويك؟ وأقوى وسيلة للشيطان في إغواء الإنسان أن يزين له القبيح من الأفعال والتروك كما قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}.
ولحرص الشيطان على إشاعة الشر في كل مكان، يقصد بإغوائه المراكز الرئيسية في المجتمع البشري كالحكام والقادة ورجال العلم والأدب، فإفساد الواحد من هؤلاء إفساد لمجتمع كامل، فيزين الظم والإستبداد للحكام والأمراء، ويزين الكبر والغرور للقادة والعلماء، ويزين المروق والفسوق للفنانين والأدباء، كل ذلك ليفسد الحياة الدينئة والأخلاقية في المجتمع، بإفساد المراكز الرئيسية في المجتمع ولله در أبي العلاء المعري إذ يقول.
وهل أفسد الدين إلا الملوك … وأحبار سوء ورهبانها؟
ولكن إذا ابتلى الله بالشيطان، فقد حمى منه عباده الذين لاذوا بحماه واعتصموا بحبله واتبعوا ما أنزل الله ولم يتبعوا خطوات الشيطان قال الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} ذلك