الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ولكن العجب العاجب أن تموت أمة أحياها القرآن أو تشقى أمة أنزل عليها القرآن، والله تعالى يقول لنبي هذه الأمة: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} أو تضل أمة دليلها القرآن والله تعالى يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ولكن لا عجب أيضا فإن الأمة التي سعادتها في القرآن تشقى إذا تركت العمل بالقرآن، وإن الأمة التي هدايتها في القرآن تضل إذا تركت الإهتداء بالقرآن، فليس الذنب ذنب القرآن، وإنما هو ذنب من أعرض عن القرآن، كما ليس الذنب ذنب الدواء وإنما هو ذنب المريض الذي أعرض عن الدواء.

وإن القرآن الذي أسعد الأمة بعد شقائها، وهداها بعد ضلالها، ما زال

تحت سمعها وبصرها وفي صدور أبنائها، لم يعتره تغيير ولا تبديل ولا تشوبه ولا تحريف، ولا نسخ بكتاب آخر كما وقيم للكتب السماوية من قبله، لأن الله تكفل بحفظه وأكرم نبيه بخلوده {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. أي أن الدواء ما زال في أيدينا ولم يطرأ عليه أي فساد، بل إنه الدواء حقا بشهادة منزله إذ قال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.

فهلم إلى القرآن- إذن- أيها المسلمون، هلموا إلى الدواء الذي لا دواء لكم غيره، الدواء الذي جربتموه في سالف أيامكم، فأبرأكم من جميع أسقامكم، أيقتلكم الداء وفي أيديكم الدواء؟ أيحرق لهواتكم الظمأ وأمامكم الماء؟

"ومن العجائب والعجائب جمة … قرب الحبيب وما إليه وصول"

"كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ … والماء فوق ظهورها محمول"

وهكذا يصدق علينا المثل.

"يصبح ظمآن وفي الماء فمه".

أيها المسلمون:

إن أجدب بكم الزمان أو نبا بكم المكان فتعالوا إلى رياض القرآن، فإنكم ستجدون المرعى الخصيب، والجناب الرحيب ولكن لا ترتضوا الكفر بعد الإيمان ولا تخرجوا من عز الطاعة إلى ذل العصيان، فإن هذه الرحاب المقدسة لا تطؤها الأقدام المدنسة، إن المرعي الخصيب، ليهدى إليه هتاف القرآن المهيب إذ يقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015