لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا … فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه … يدعو عليك وعين الله لم تنم
وإذا كانت هذه عقبى الظالمين {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} فإن الغالب
في الشر مغلوب كما في المثل، "ولا يجني جان إلا على نفسه" كما في الحديث، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} كما في كتاب الله. فماذا جنى الظالم إذن؟ إذا كان ظلمه يسبب هلاكه فهو لم يظلم إلا نفسه، لذلك يعقب الله على إهلاكه للظالمين غالبا بمثل قوله: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
فلا يفرح الظالون ولا تطمئن بهم المضاجع ولا تقرأ عينهم بما استولوا عليه بالسلب والنهب وسفك الدماء، فإنهم إلى تباب، وإن ملكهم إلى زوال و {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}. وإن النعمة تدوم مع الكفر ولا تدوم مع الظلم كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فكيف إذا أجتمع كفر وظلم.
ولا يستبد الأسى والجزع بالمظلومين، ولا تذهب نفوسهم حسرات فإن الله
لابد- إن ثبتوا وصبروا - ناصرهم ومؤيدهم ومستجيب دعائهم.
وإن الله في قضائه حكمة هو مجريها، وإن الحياة ابتلاء، وأشد أنواع الابتلاء ينزل بالمؤمنين {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}. لأن في هذا الابتلاء تربية لنفوسهم وشحذا لعزائمهم، وإعدادا لملمات الحياة التي تنزل بهم، فالابتلاء الذي ينزل بالمؤمنين مضاعفا ليس شرا محضا كما يتبادر إلى ذوي العقول البسيطة وإنما يتضمن الدرس العملي والإعداد الصالح المباشر لخوض معمعة الحياة، وليس في الحياة خير محض، ولا شر محض، كما يقول الفلاسفة، وإنما من طبائع النفوس الأبية أنها تأنف الضيم وتكره الظلم، ولا تكاد تسيغه، ولكن الله يمهل الظالم ولا يهمله كما ورد في بعض الآثار وهو معنى ما ورد في بعض الكتب المنزلة: "لا يغتر الظالمون بتأخير العقوبة فإنما يعجل العقوبة من يخشى الفوت، وإن في تأخير عقوبة الظالمين إبلاغا في الحجة وقطعا للمعاذير وهو معنى قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.