أرى أن خير تفسير- أو تعريف- للأمانة هو أن الأمانة هي المسؤولية، وأكبر مسؤولية وأوسعها وأشملها هي التكاليف الشرعية وهو ما جرى عليه جمهور المفسرين في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. فلا عجب إذن أن تكون الأمانة هي أولى الصفات التي يجب أن يتصف بها الأنبياء، ولا عجب أن تبرز هذه الصفة وتبلغ كمالها في محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها حتى سمي قبل النبوة بالأمين لأن الأمانة صفة جامعة يصح بأن تسمى بها التكاليف الدينية والإنسانية كلها، فالأمانة لا تنافي الخيانة فقط بل تنافي الكذب وتنافي الغش وتنافي النميمة والغيبة وإفشاء السر وشهادة الزور وكتمان الحق الخ ... وإذا كانت الأمانة بهذه المنزلة السامية حتى تشمل سائر التكاليف الدينية والكمالات الإنسانية فلا جرم كانت الخيانة أقبح ما يتصف به المسلم بحيث يعد إسلام المتصف بها نفاقا كما في حديث البخاري: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان" ولا عجب فبقدر ما يحسن الشيء يقبح ضذه "وبضدها تتميز الأشياء" هذه القيمة التي تمتاز بها الأمانة هي التي جعلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند موته ونظر فيمن يصلح للخلافة من بعده: "لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أبو عبيدة أمين هذه الأمة".
إن الأمانة هي يقظة الضمير وطهارة الوجدان ونزاهة النفس، فهيهات أن
يأتي الأمين ما يؤنبه عليه ضميره وينافي طهارة وجدانه ونزاهه نفسه.