قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا مواضعنا، وإن أباك قد حرمنا ما في يده، فأخبر عبد الملك أباه بذلك فقال: قل لهم: إن أبي يقول لكم: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير مع بعض أصحابه، فلقيته امرأة من قريش، وكان واضعا يده على كتف صاحبه، فقالت له: يا عمر، فوقف لها، قالت: كنا نعرفك مدة عميرا ثم صرت من بعد عمير عمر ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين، فاتق الله يا بن الخطاب، وانظر في أمور الناس، فإن من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشى الفوت، فقال لها صاحبه: يا أمة الله، أبكيت أمير المؤمنين، فقال له عمر: أسكت، أتدري من هذه؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه، أي صاحبة القصة التي نزل فيها قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (الآيات)، فعمر أحرى بأن يسمع قولها ويقتدي به.
قدم عمر بن الخطاب الشام فلقيه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء قد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال، قال عمر العظيم- إذ ذاك-: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلا نلتمس العز من غيره.
هكذا، فلا نلتمس العز من غيره، ليت المسلمين- مسلمي اليوم- فهموا جيدا هذه الكلمة، فهم لو فهموها ثم تأثروا بها لما توددوا للأجنبي بمحاكاته في مظاهره وعاداته ولما استحوا بما يلبس عمر، واعتزوا بما يلبسوا من كان عمر يتقرب إلى الله بمعاداته.
وما أبرع أحد الشعراء المعاصرين في استخدامه معنى ترجل عمر عند دخوله الشام، وسبكه في بيت رائع من قصيدة يناجي بها دمشق إذ يقول:
عمر الذى وطئت سنابك خيله … إيوان كسرى قد ترجل فيك