وينبغي ألّا ننسى أن لغة قريش كانت -كما قال ابن خلدون: "بعيدة عن بلاد العجم من جميع جهاتها"1، وإن كنا نعترف بأن بعدها عنها لم يحل دون تسرب الألفاظ الفارسية والرومية إليها.

ولكننا عند الحديث عن التعريب، سنرى أن مقدرة لغةٍ ما على تمثل الكلام الأجنبي، تعد مزية وخصيصة لها إذا هي صاغته على أوزانها، وصبّته في قوالبها، ونفخت فيه من روحها.

وكما رَدَدْنَا إلى تميم اعتبارها بدراسة أبرز خصائصها، لن نستنكف عن رد الاعتبار إلى لهجة كل قبيلة لم تطرأ العجمة على ألسنتها، ولم تلابس اللكنة الدخيلة ملاحنها، فمثل هذه اللهجات جديرة أن تستنبط منها مزايا لغتنا، وأن يكتشف لديها مدلول مفرداتنا وتراكيبنا.

ومنهج الأقدمين في جمع اللغة علميّ دقيق, يعول على الملاحظة والاستقراء، والإفراط في الحيطة أحيانًا، حتى لنستطيع أن نكون مطمئنين إلى أكثر ما استنتجوه من خصائص لغتنا التي تجنبوا أخذها عَمَّن تشوب عربيتهم أية شائبة؛ فقد اقتصر أخذهم اللغة على عرب البادية، وعلى فصحائهم بشكل خاصٍ. وكثيرًا ما كان سيبويه يشير إلى تشدده في تصويب الاستعمال اللغوي بردّه إلى العرب الذين تُرْضَى عربيتهم3، أو العرب الموثوق بهم4، أو بعربيتهم5, ولكن سيبويه نفسه كان يرى أن هؤلاء العرب الموثوق بعربيتهم هم عرب الحجاز، فيجنح غالبًا إلى ترجيح لغة الحجاز إذا اختلف اللهجات6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015