مدرجها الصوتي، وحياة عدد كبير من مفرداتها، فإذا أردنا أن ننتقل إلى دراسة خصائص العربية ومميزاتها كان لزامًا علينا أن نفهم لدى أول خطوة نخطوها حتى آخر نتيجة نعطيها, أن تميمًا تشارك قريشًا بنصيب كبير من هذه الخصائص، وأن إغفال دور تميم في هذا إنما هو تهاون بجزء لا يتجزأ من لغتنا العربية الفصحى.
ولقد سبق أن نبهنا على أن للعربية الشمالية الباقية لهجات مختلفة، كلها جدير أن يدرس، غيبر أن أقصى ما يغتفر لنا الاقتصار عليها منها إبراز الفروق في مجموعة اللهجات النجدية الشرقية, ومجموعة اللهجات الحجازية الغربية، ونحن قد اقتصرنا على هذا لضيق المقام، وإن كنا نعتقد أن التوسع في دراسة سائر اللهجات العربية يزيد لغتنا ثروة، ويمنحها قوة، ويفسر كثيرًا من خصائصها التي لم تنفرد بها لهجة, بل أسهمت في تكوينها هذه اللهجات قاطبة.
ولسوف يبدو لنا -حين نأخذ في الباب التالي بدراسة خصائص العربية- أن ظاهرة التأثر بين اللهجات الصحيحة المسموعة من العرب آلت بالفصحى إلى ضرب من التوحد في الخصائص، والتماثل في السمات والملامح، فلم يخف على المحققين من علمائنا القدامى ما تجاور هذه اللهجات وتلاقيها من ملاحظ نفسية واعتبارات اجتماعية, مذ غدوا يتساءلون: إذا سمع العربي لغة غيره فهل يراعيها ويعتمدها، أم يلغيها ويطرح حكمها1؟
ففي تعليل هذه الظاهرة لم يقتنع هؤلاء المحققون بالإحالة على ما اطرد من مقاييسهم، بل نظروا نظرة موضوعية هدتهم إلى مواطن التأثر والعدوى، وإلى الاعتراف بحاجة العرب إلى أن يراعي بعضهم لغة بعض،