ومن الغرور أن أزعم أني بكتابي هذا جئت أملأ ذاك الفراغ، وأسد تلك الثغرات، وأحقق أمنية الدارسين، فما عانيت تدريس فقه اللغة إلّا ست سنين, ليست في حساب الزمن شيئًا مذكورًا، ولكن الله وحده يعلم أيّ جهد بذلت، وكأيٍّ من ليل سهرت، وكم من كتابٍ قرأت، حتى أخرجت للناقدين قبل المادحين "دراساتي" هذه في أسلوب علميٍّ بسيط, توخيت أن يكون بالغ الحيطة شديد الحذر، لا يفرط ولا يفرّط، ولا يبالغ ولا يقصر, ينقل من النصوص القديمة, ويعزو كل نص إلى قائله، وينقب عن المخطوطات النفيسة ويستشهد بها، ثم يوازن بينها, ولا يقنع بالجمع والتنسيق، ويقبس من آراء المحدثين، شرقيين وغربيين، ومستشرقين ومستعجمين، ثم يمحص آرءهم ويزنها بميزان النقد النزيه الدقيق.
وإن من ذكرت أسماءهم آنفًا من المؤلفين والعلماء ليجنون الآن معي كلهم ثمار هذا الكتاب، فإن تك ثمارًا يانعة طيبة، فبهم طابت، ومنهم أينعت، ولأردنّ إليهم كل رأي مبتكر أخذته عنهم، وكل فكرة أصلية اقتبستها منهم.
ففي فصل الاشتقاق أعجبت بتفرقة الدكتور إبراهيم أنيس بين الدلالة المكتسبة المتطورة والدلالة الوضعية الأصلية, وعن الأستاذ المبارك اقتبست فكره ثبات الأصوات في العربية, ومع الدكتور تمام حسان سرت أشواطًا في الدعوة إلى المنهج الاستقرائي الوصفي في أبحاث اللغة, ومع عبد المجيد عابدين ناديت بدراسة النحو العربي في ضوء اللغات السامية, ومن الأبوين أنستاس الكرملي ومرمرجي الدومينيكي أخذت القول بالثنئاية التاريخية في اللفظ العربي, وعلى هَدْي أسطر قليلة جامعة للأستاذ سعيد الأفغاني