ومع ورود أمثلة كافية للاستدلال على أن المعاقبة لغة لأهل الحجاز ينفردون بها دون سائر اللهجات العربية، أبى بعض العلماء أن يفسروا كل ما سمع من هذا الباب بمثل هذه المعاقبة الحجازية؛ إذ بدا لهم أنها ليست مطردة في لغتهم، فدخول الياء على الواو، والواو على الياء من غير علة, لا ينبغي أن يبحث دائمًا عن سببه في افتراق القبيلتين في اللغتين، بل قد تحدث المعاقبة عند القبيلة الواحدة من العرب1. قال الأصمعي: سألت المفضل2 عن قول الأعشى:
لعمري، لمَنْ أمسى من القوم شاخصًا ... لقد نال خيصًا من عُفَيْرَة خائصا
فقلت: ما معنى خَيْصًا خائصًا؟ فقال: أراه من قولهم: فلان يخوص العطاء في بني فلان: أي: يقلّله، فكأن "خيصًا" شيء يسير, ثم بالغ بقوله "خائصا "، كما قالوا: موت مائت. قلت له: فكان يجب أن يقول: لقد نال خوصًا؛ إذ هو من قولهم: يخوص العطاء. فقال: "هو على المعاقبة، وهي لغة لأهل الحجاز، وليست بمطردة في لغتهم! "3.
وسواء أأقَرَّ العلماء بردِّ صور المعاقبة جميعًا إلى الحجاز, أم ترددوا في بعضها، لا يسع أحدًا منهم الشك في أن أمثلة المعاقبة مسموعة من