صنعه كعب بن حارثة للقيض بنت عبد مناة، وهو مؤرخ سنة 262 بعد دمار مملكة النبط، وفقًا لتاريخ مدينة بصرى، أي: حوالي سنة 368 ميلادية؛ لأن حادثة تدمير المملكة النبطية وقعت سنة 106 بعد الميلاد, وإذا رأيت صورة هذا النقش1 وحللت رموزه بالعربية, وألحقت به أصوات المد أصبحت عبارته: "ذين للقيض بنت عبد مناة"، أي: هذا القبر للقيض بنت عبد مناة.
والنقش الثاني هو نقش النمارة Nemar، وهو قصر صغير للروم في الحَرَّة الشرقية من جبال الدروز, وقد دُوِّنَ هذا النقش سنة 228م, في مدفن امرئ القيس بن عمرو ملك العرب، وهو من ملوك الحيرة الذين انتشر نفوذهم حتى بادية الشام, وهذا النقش على جانب من الأهمية عظيم؛ لأنه مدوّن بالخط النبطي المتأخر الذي يرتبط بعضه ببعض -خلافًا للخط النبطي القديم- فيشبه ممن هذه الناحية كثيرًا الخط الكوفي، ولذلك يرى أكثر العلماء أن الخط الكوفي منحدر من القبطي, والنقش يشتمل على خمسة أسطر, نقل ولفنسون صورتها في "تاريخ اللغات السامية2, ومن المفيد الاطلاع عليها، لتتبع المراحل التي مَرَّ بها الخط العربي حتى انتهى إلى رسمه الحديث.
وبعد أن رجعنا البصر في هذه اللمحة التاريخية عن اللغات السامية، لم يسعنا أن نتغافل عن أواصر القربى بين تلك اللغات، بل وجدناها جميعًا في مناطق متقاربة، لم يبدل توالي العصور من مناطقها شيئًَا، كأنما كتب عليها أن تخلد خلود الشرق مطبوعة بطابعه، محذوة على مثاله، منذ ظهرت في العراق الآشورية البابلية, حتى برزت في جزيرة العرب العربية الشمالية.