عربي قيمة تعبيرية موحية يسرت لهم القول بالمناسبة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله. والثنائية واضحة في نشأة العربية وأخواتها الساميات، خلافًا لما يفترضه المذهب اللغوي الجديد من ابتداء الكلمات طويلة في أصل بنائها، ثم ميلها نحو التقصير. والاشتقاق في ظلال دلالته الوضعية وسيلة رائعة للتمييز بين الأصيل والدخيل، والحسي فيه أسبق في الوجود من المعنوي المجرد، لكن في الاشتقاق الكبير تجوزًا في التعبير، وفي الاشتقاق الأكبر تعسفًا في التأويل. والنحت أيضًا وسيلة من الاشتقاق نادرة لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة القصوى, ولا بد من تنزيل المنحوت على أحكام العربية وصياغته على وزن من أوزانها.
وفي فصل "الأصوات العربية" لاحظنا أن علماءنا المتقدمين عرفوا لكل حرف صوته صفة ومخرجًا، مثلما عرفوا له إيحاءه دلالة ومعنى، وأن وصفهم لجهاز النطق ووظائف أعضائه اتسم بالدقة والاستقصاء، وأن علم الأصوات اللغوية إنما بني على مباحثهم في التجويد. وفي العربية ظاهرة مدهشة تتعلق بأصواتها، فقد ظلت محتفظة بها ثابتة الأصول، ومعروفة الأنساب. ولها محصول لغوي ضخم من المترادفات والمشتركات والأضداد أتاحه لها تنوع الاستعمال. وليست العربية باللغة الجامدة، فهي تقترض من اللغات كما تقرضها، وتتأثر بها مثلما تؤثر فيها، وتدخل في ثروتها الكثير من ألفاظ الحضارة الإنسانية، ومن مصطلحات العلوم والفنون، بعد أن تسبكها على قوالبها سبكًا. وتنزلها على أوزانها تنزيلًا.
تلك لغة العرب بوجهها الصريح دون طلاء، وملامحها المعبرة دون اصطناع، كما برزت بوضوح في مرآتها: هذا الكتاب.