ويقول: "أحب أن ألفت نظر أدبائنا الذين يطالبون بالالتجاء إلى اللهجات العامية إلى شيء خطير ما أرى أنهم قد فكروا فيه فأحسنوا التفكير. هو أن العالم العربي الآن، وكثيرًا من أهل العالم الشرقي كله يفهم العربية الفصحى ويتخذها وسيلة للتعبير عن ذات نفسه وللتواصل الصحيح القوي بين أقطاره المتباعدة، فلنحذر أن نشجع الكتابة باللهجات العامية، فيمعن كل قطر في لهجته، وتمعن هذه اللهجات في التباعد والتدابر، ويأتي يوم يحتاج فيه المصري إلى أن يترجم إلى لهجته كتب السوريين واللبنانيين والعراقيين، ويحتاج أهل سورية ولبنان والعراق إلى مثل ما يحتاج إليه المصريون من ترجمة الكتب المصرية إلى لهجاتهم كما يترجم الفرنسيون عن الإيطاليين والإسبانيين، وكما يترجم هؤلاء عن الفرنسين.
ولنسأل أنفسنا آخر الأمر: أيهما خير؟ أن تكون للعالم العربي كله لغة واحدة هي اللغة الفصحى، يفهمها أهل مراكش كما يفهمها أهل العراق، أم أن تكون لهذا العالم لغات بعدد الأقطار التي تتألف منها، وأن يترجم بعض عن بعض؟ أما أنا فأوثر وحدة اللغة هذه فهي خليقة بأن يجاهد في سبيلها المؤمنون بها وبأن يضحوا في سبيلها بكل ما يملكون".
ومهما تتطور اللهجات الإقليمية العامية في بعض الأقطار العربية، ومهما يحاول الدعاة إليها وضع القواعد لها والأصول، فمما لا ريب فيه أن العامية متفرعة عن الفصحى، ومتأثرة بها، وإن كانت أحيانًا تشويهًا وتحريفًا لها، وليس لداء العامية من علاج إلا محاربة الأمية، وتعميم التعليم الإجباري، وتمكين أجهزة الإعلام في الدول العربية من الارتفاع بالعامية إلى الفصحى المبسطة الميسرة، فيما تبثه بالإذاعة والتلفزيون من أشرطة مسجلة وأسطوانات، وفيها تنشره من أدبنا المسرحي الحي