ومنهم من يميل إلى كتابة العربية بالأحرف اللاتينية أسوة بالأتراك، وقد أوضحنا أن الحرف العربي أجمل الحروف وأن لا جدوى من استبدال غيره به، ومنهم من يبالغ في تصوير الخيبة التي تساور الأوربي المستشرق عندما يرى في البلد العربي الذي يقدم إليه أن عامة الناس تتحدث بغير الفصحى التي تعلمها، وقد اقترحنا واقترح غيرنا ما نظنه كافيًا لسد هذه الثغرات جميعًا. والحق أنا عندما نأخذ بتطبيق هذه النظريات، حلًّا لتلك المشكلات، لن نجد مسوغًا للدعوة إلى العامية؛ لأن عدواها لا تسري إلا حيثما يكون الجهل والمكابرة والعناد.
ذلك بأن الأقطار الناطقة بالضاد مترامية الأطراف، تمتد من المحيط إلى المحيط. وإنك لتجد حتى في القطر العربي الواحد من تعدد اللهجات ما لا ينقضي له عجبك، ففي لبنان -على ضيق رقعته بالنسبة إلى مصر مثلًا- تفاوت ملحوظ بين لهجات الجنوب والشمال والبقاع وكسروان1، بل الأحياء في كل مدينة من مدن لبنان تتفاوت لهجاتها تفاوتًا عجيبًا، فلهجة الميناء في طرابلس تختلف عن كل من لهجات ساحة التي وباب التبانة وبوابة الحدادين.
ولئن بلغ التفاوت بين الأحياء في كل مدينة، وبين الأقاليم في كل قطر، وبين الأقطار المتباعد بعضها عن بعض، هذا الحد الواسع الهائل، فما هي اللهجة العامية التي يسعنا اختيارها من بين هذا الركام المختلط العجيب؟
إلى هذا لفت الدكتور طه حسين الأنظار وهو يقرع ناقوس الخطر