دراسة علمائنا للأصوات العربية لا يضاهيها في العمق والدقة والاستقصاء جميع الدراسات التي يقوم بها اللغويون الآن فيما يسمونه "علم الأصوات اللغوية"، ولما نريد أن نثبته من أن حروفها العربية محفوظة الأصول، معروفة الأنساب.
لسنا نزعم طبعًا أن الدراسات الحديثة لم تَعُدْ بالفائدة على الأبحاث اللغوية، فما يجرؤ على مثل هذا القول باحث منصف. ومن ذا الذي ينكر على علماء الأصوات دقتهم في ملاحظة المسموعات، وتسجليها بالأجهزة والآلات؟ 1 لم يكن شيء من هذا متيسرًا لعلمائنا المتقدمين لدى دراستهم الأصوات، وكيفية خروجها من أعضاء النطق، وما يعتريها من التغيير، وما يصيبها من الانحراف، وجاءوا مع ذلك بوصف دقيق لجهاز النطق ووظائف أعضائه عندما أرادوا أن يرتلوا القرآن ترتيلًا، فكانوا أول الرواد لعلم الأصوات اللغوية، وعلى كثير من ملاحظاتهم بنيت المباحث الحديثة في مخارج الحروف وصفاتها2.
وأول ما يبنغي التنبه إليه في الجهاز النطقي أن الأعضاء المتحركة فيه هي الشفتان واللسان من طرفه إلى لسان المزمار ثم الفك الأسفل والطبق -ومعه اللهاة والحنجرة- والأوتار الصوتية والرئتان. أما الأسنان واللثة والغار والجدار الخلفي للحلق فهي جميعًا أعضاء ثابتة في جهاز النطق3.