اللغة ومعايير استعمالها فلا قيمة للأصوات والكلمات والصيغ والتراكيب إلّا بمقدار ما يتعارف المجتمع على أنها رموز للدلالة1.
"أليست هذه الألفاظ العامة التي نستعملها؛ كالشجرة، والإنسان, والبشرية، والحرية، أشبه بالرموز الرياضية؟ أليست أشبه بالنقود التي يرمز بها إلى القيم؟ أولم تكن الرموز الرياضية والاقتصادية وسيلة للرقيّ في الميدانين الفكريّ والاقصادي؟ وكذلك اللغة، فهي لم تقتصر على كونها معبرة عن التفكير، بل كان كذلك أداة نمائه وارتقائه ... "2.
لقد ظلَّ العالم غافلًا عن تلك الرموز اللغوية حتى أواخر القرن السابع عشر، فكان يحاول تأويل نشأة اللغات في سذاجة عجيبة، حتى أوشك كثير من العلماء أن يجزموا بأن العبرية، لغة الوحي، هي لغة الإنسانية الأولى التي تشعبت منها لغات العالم المعروفة كلها3. وكان على آباء الكنسية أن يستندوا إلى الكتاب المقدس لتأييد هذا الرأي، وقد وجدوه في سفر التكوين: "والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها، وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له الإنسان, فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة ولطيور السماء ودواب الحقول"4. وكذلك استند العرب من قبل إلى آية قرآنية حين مال كثير منهم إلى أن لغة العرب توقيف لا اصطلاح، واضطر ابن جني إلى تأويل تلك الآية على غير ما فهمها عليه أشياخه، فنسب إلى أكثر أهل النظر القول بأن أصل اللغة تواضع واصطلاح لا وحي ولا توقيف، ثم قال: "ألا إن أبا عليّ -رحمه الله- قال لي يومًا: هي من عند الله؛ واحتج بقوله سبحانه وتعالى: {وَعَلَّم