ولكن النحت ظل -مع ذلك- قصة محكية، أو رواية مأثورة تتناقلها كتب اللغة بأمثلتها الشائعة المحدودة، ولا يفكر العلماء تفكيرًا جديًّا في تجديد أصولها وضبط قواعدها، حتى كانت النهضة الأدبية واللغوية في عصرنا الحاضر، وانقسم العلماء في النحت إلى طائفتين: فمنهم من يميل إلى جواز النحت والنقل اللفظي الكامل للمصطلحات، ومنهم من يرى "أن لغتنا ليست من اللغات التي تقبل النحت على وجه لغات أهل الغرب كما هو مدون في مصنفاتها. والمنحوتات عندنا عشرات. أما عندهم فمئات، بل ألوف؛ لأن تقديم المضاف إليه على المضاف معروف عندهم، فساغ لهم النحت. أما عندنا فاللغة تأباه وتتبرأ منه"1.

وكلتا الطائفتين مغالية فيما ذهبت إليه، فإن لكل لغة طبيعتها وأساليبها في الاشتقاق والتوسع في التعبير. وما من ريب في أن القول بالنحت إطلاقًا يفسد أمر هذه اللغة، ولا ينسجم مع النسيج العربي للمفردات والتركيبات، وربما أبعد الكلمة المنحوتة عن أصلها العربي. وما أصوب الاستناج الذي ذهب إليه الدكتور مصطفى جواد حول ترجمة "الطب النفسي الجسمي psychosomatic"، فإنه حكم بفساد النحت فيه "خشية التفريط في الاسم بإضاعة شيء من أحرفه، كأن يقال: "النفسجي" أو النفسجسمي" مما يبعد الاسم عن أصله، فيختلط بغيره وتذهب الفائدة المرتجاة منه"2.

إلا أن الدكتور جوادًا سرعان ما ذهب بحسنات رأيه السابق حين أطلق القول بتشويه النحت للكلم العربي، ورمى شواهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015