إن التأليف في فقه اللغة قد مَرَّ بأدوار جديرة أن تسجل، تقف الباحث على نشأة هذا العلم وتطوره, وإن من العسير استيعاب جميع الكتب المتعلقة بفقه اللغة تعلقًا غير مباشر؛ كالمصنفات النحوية والصرفية، والمباحث البلاغية, ووجوه القراءات المتواترة والشاذة, فلا بد لنا أن نقصر حديثنا على التآليف التي توفر أصحابها على دارسة ما يرتبط ارتباطًا قويًّا بفقه اللغة علمًا مستقلًّا قائمًا بنفسه، لا يناقض التعريف الذي قدمناه له.
لعل أقدم ما وصلنا من هذه الدراسات مباحث الأصمعي "أبي سعيد عبد الملك بن قُرَيْب", المتوفي سنة 215هـ, عن الاشتقاق في العربية، وفي تسمتيتها فقه اللغة كثير من للتجوز؛ لأنها لا تعدو ملاحظات عامة اتسع القول فيها فيما بعد، وأوضحت جزءًا هامًّا من هذا العلم العظيم.
ثم أنشأ ابن جني "أبو الفتح عثمان" المتوفي سنة 392هـ, الفقيه اللغوي العبقري كتابه "الخصائص", وراح يناقش فيه بفكره الثاقب ومنطقه السليم أبحاثًا خطيرة في أصل اللغة "أإلهام هي أم اصطلاح" وفي مقاييس العربية، واطرادها وشذوذها، وتصاقب ألفاظها لتصاقب معانيها، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين، والاشتقاق الأكبر، وتركب اللغات، واختلاف اللهجات, ومع أن "خصائص" ابن جني أجدر الكتب أن تسمى بفقه اللغة، ضنَّ عليها مؤلفها بهذا الاسم!