ولم يكن بد من أن يتأثر العرب بأولئك الأعاجم, مع أنهم كانوا قد وثوا عربيتهم معربة، وقرءوا القرآن معربًا، وتناقلوا أحاديث نبيهم معربة.

وإنّ أدلة كثيرة لتقوم على شعور العرب بوراثتهم لغتهم معربة؛ فهذه أمارات الإعراب باطرادها وسلامتها، واضحة فيما صَحَّ من أشعار الجاهليين, وذلك هو التصرف الإعرابي ما فتئ يراعى بدقة بالغة حتى أوائل القرن الثالث الهجري، يوم كان الرواة والإخباريون يختلفون إلى الأعراب في البادية؛ ليأخذوا من أفواهم اللغة، ويعودوا ألسنتهم الفصاحة والبيان.

أما ترتيلهم القرآن معربًا فما نحسب عاقلًا في الدنيا يرتاب فيه، ولم يزعم أحد من العلماء في الشرق والغرب، قديمًا أو حديثًا، عامية الأسلوب القرآني، أو تجرده من ظاهرة الإعراب؛ لأن ما في القرآن من الألفاظ الصالحة لأن تقرأ رسمًا بأكثر من وجه كان السياق فيه غالبًا يعين قراءته المثلى، ويفرض وجهه الأفضل، ولا يعيِّنُ قراءةً ما إلّا تحريك الأواخر بالحركة الإعرابية المناسبة, ومن أوضح الأمثلة على قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 1، فالمعنى نفسه يفرض رفع العلماء، فاعلًا، ونصب اسم الجلالة مفعولًا؛ لأن المراد حصر الخوف من الله في العلماء، لا حصر الخوف من العلماء في الله: فإنما يخشى الله حق خشيته العلماء العارفون بجلاله.

وتناقل هذا الوجه المتواتر في قراءة الآية، بمراعاة حركات الإعراب مشافهةً وتلقينًا، هو الذي حمل القراء على الحكم بشذوذ القراءة الأخرى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} برفع "اسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015