وللعرب في ذلك ما ليس لغيرها؛ فهم يَفْرُقون بالحركات وغيرها بين المعاني, يقولون: "مِفْتَح " للآلة التي يفتح بها، و"مَفْتَح" لموضوع الفتح، و"مِقَصٌّ" لآلة القص، و"مَقَصٌّ" للموضع الذي يكون فيه القص؛ و"مِحْلَبٌ" للقدح يُحْلَبُ فيه، و"مَحْلَبٌ" للمكان يحتلب فيه ذوت اللبن ... "1.
وزاد ابن فارس هذه الظاهرة تقريرًا وتوضيحًا بقوله في موضع آخر: "من العلوم الجليلة التي خصت بها العرب: الإعراب الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ، وبه يعرف الخبر الذي هو أصل الكلام, ولولاه ما مُيِّزَ فاعل من مفعول؛ ولا مضاف من منعوت، ولا تعجُّب من استفهام، ولا صدر من مصدر؛ ولا نعت من تأكيد"2.
ولما أصابت العربية حظًّا من التطور أضحى الإعراب أقوى عناصرها، وأبرز خصائصها، بل سر جمالها، وأمست قوانينه وضوابطه هي العاصمة من الزلل، المعوضة عن السليقة؛ لأن الناس أدركوا حين بدأ اختلاطهم بالأعاجم أنهم لولا خلاطهم لهم لما لحنوا في نطق، ولا شذّوا في تعبير، فقد كان يثقل على هؤلاء الأعاجم إخراج أحرف الحلق وأحرف الإطباق بوضوح أصواته في العربية، فإذا هم يحرفون مثلًا "عربي" إلى "أربي" و"طَرَقَ" إلى "تَرَكَ"، حتى شكا الناس من فساد الألسنة واضطرابها 3.