بيته الحرام، وولاته, فكانت وفودج العرب من حجّاجها, وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم1".
ومن السنن الاجتماعية المسلّمة أن اللغة إذا تقادم عهدها بالغ الناس في تقديسها, فلا تعجب إذا رأيت في آثار الباحثين في القرن الماضي، أن مقياس الكمال في اللغات ارتدادها إلى ماضٍ أشد إيغالًا في القدم، حتى ليمكن القول -في ضوء المقياس: إن اللغة الكاملة المطردة النقية لم تعرف إلّا في العصر البدائي، وإن لغاتنا الحديثة المتطورة عن تلك الأصول البدائية ليست إلّا تحريفًا وفسادًا2.
ولهجة قريش -فوق الذي أحيطت به من مظاهر التقديس- انفردت حقًّا بمزايا حفظت لها شخصيتها، وأتاحت لها من أسباب التكامل ما لم يتح لغيره، فبعدها الذي وصفه ابن خلدون عن بلاد العجم من جميع جهاتها, كان حاجزًا طبيعيًّا دون كثرة اتصالها بالأجانب، فلم يدخلها من لكنة الأعاجم ما داخل القبائل المتطرفة التي كانت على اتصال وثيق بمن حولها من غير العرب. قال أبو نصر الفارابي3 في أول كتابه المسمى "بالألفاظ والحروف": "كانت قريش أجود العرب انتقاءً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعًا، وأبينها إبانة عمَّا في النفس.
والذين عنهم نُقِلَتِ اللغة العربية، وبهم اقْتُدِيَ، وعنهم أُخِذَ