وسلمت العبادات في الإسلام -لما فيها من الموازنة بين مطالب الدنيا والآخرة، والروح والجسد- مِمَّا آلت إليه العبادات لدى الأمم الأخرى من الغلو في أمور الدنيا لدى اليهود، وبلغ الأمر بالنصارى أن فرضوا على أنفسهم الرهبانيَّة، وتركوا أمور الدنيا، وبالغوا في ذلك إلى أن أفسدوا دينهم. . .؛ فأمَّا اليهود فقد جنحوا إلى الماديَّة، (ولا نكاد نجد (في اليهودية) للروحانية أثرًا، ولا نكاد نرى للآخرة مكانًا، حتى الوعد والوعيد في التوراة للمطيعين والعصاة، إنَّما يتعلقان بأمور دنيويَّة، وتكاد تستأثر بها النزعة الماديَّة الخالصة، فالخِصب والصحة والثراء وطور العمر، والنصر على الأعداء ونحوها من المكاسب الدنيويَّة الحسيَّة العاجلة، هي المثوبات التي تبشر بها التوراة، وأضداد هذه الأمور من الجدب والمرض والموت والوباء والفقر والهزيمة ونحوها للذين يعرضون عن الشريعة) (?).
وأمَّا الرهبانيَّة فعلى الرغم من كونها بدأت بصفتها ردَّا على تلك النزعة الماديَّة التي اتسمت بها اليهوديَّة بعد تحريفها، وانتهجتها الرومانيَّة في حكمها وتشريعها وحضارتها، فإنَّها (تطورت فيما بعد مع الزمن، وأصبحت خاضعة إلى أنظمة متبعة وأسس معتمدة يخضع لها الراغب فيها،