رابعًا: أن تكون العبادة للَّه عن إرادة وقصد، أمَّا الجانب القدري الكوني فإنَّ ذلك يدخل تحت التسخير، (ولما كان الخضوع الإرادي للَّه عز وجل عنوان العبادة الحقيقية من هذا الإنسان كان كافيًا أن يرافق هذا الخضوع أيَّ تصرف من تصرفات الإنسان الاختياريَّة أو الاضطرارية ليصبح هذا التصرف عبادة للَّه عز وجل؛ لأنَّه ابتغى به وجهه، وجاء وفق رضائه، ومن هنا كان بإمكان المسلم أن يجعل حياته كلها عبادة حتى عاداته وغرائزه من طعام وشراب ولباس وسكن ومتعة في هذه الحياة فهو يماثل غيره في صور هذه التصرفات، ويتميز عن غيره في حقيقتها واعتبارها. . . ففي الحديث الشريف: "وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول اللَّه، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ" (?).
كما يكفي أن يفارق هذا الخضوع الإرادي أيَّ تصرف من تصرفات الإنسان ليفقد هذا التصرف وصف العبادة، حتى ولو كان هذا التصرف صلاة أو صيامًا، أو زكاةً وحجًّا، أو غير ذلك من شعائر العبادات: "إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى" (?)، كأن يقوم بمثل هذه