فكانت حركتهم العلميَّة في هذا المضمار حركة إيجابيَّة أفادت منها البشريَّة، ولعل المنهج التجريبي الذي شقَّ طريقه إلى الغرب، وأسهم في قيام الحضارة الحديثة، والنهضة الأوروبيَّة، يعد من فضائل الأُمَّة الإسلاميَّة على العالم، وهذا ما يعترف به المنصفون من مؤرخي الغرب ومفكريه.
يقول (جوليفة كستلو) (jolivet castelot) في كتابه (قانون التاريخ) (Lal oli de l'Histoire) (كان التقدم العربي بعد وفاة الرسول عظيمًا، جرى على أسرع ما يكون، وكان الزمان مستعدًّا لانتشار الإسلام، فنشأت المدنيَّة الإسلاميَّة باهرة، قامت في كل مكان مع الفتوحات بذكاء غريب، ظهر أثره في الفنون والآداب، والشعر والعلوم، وقبض العرب بأيديهم خلال عِدَّة قرون، مشعل النور العقلي، وتمثلوا جميع المعارف البشريَّة التي لها مساس بالفلسفة، والفلك، والكيمياء، والطب، والعلوم الروحيَّة، فأصبحوا سادة الفكر مبدعين ومخترعين، لا بالمعنى المعروف، بل بما أحرزوا من أساليب العلم التي استخدموها بقريحة وقَّادة للغاية) (?).
ويواصل قوله عن فضل الأُمَّة الإسلاميَّة على أوروبا في مجال العلم والمعرفة فيقول: (وإنَّ أوروبا لمدينة للحضارة العربية بما كتب لها من ارتقاء من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، وعنها أخذت. . .، وأوروبا تدين بالهواء النافع الذي تمتعت به في تلك العصور للأفكار العربية، وقد انقضت أربعة قرون ولا حضارة فيها غير الحضارة العربية وعلماؤها هم حملة لوائها الخفاق) (?).
ويصحح (غوستاف لوبون) الخطأ الذي ارتكب في التاريخ الحضاري