عنه في حجَّة العام التاسع للهجرة أبا بكر الصديق، وألحق به علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنهما- لنزول سورة (براءة) لإعلانها للناس في يوم الحج الأكبر (?)، وجاءت حَجَّة الوداع وقد علت كلمة اللَّه، واكتمل الدين، فالتقت الأُمَّة الإسلاميَّة برسولها -صلى اللَّه عليه وسلم- في سورة مثاليَّة، بعد أن أصبحت مصطبغة بعقيدة التوحيد، داخلة تحت لواء الشريعة الإسلاميَّة.

يقول أحد المؤرخين عن هذه الصورة الجليَّة للأُمَّة الإسلاميَّة في حجة الوداع وعن دولة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (حَجَّ في العام العاشر حجَّته الأخيرة على النظام الإسلامي، وحجَّ معه فيها ما يزيد على مئة ألف (?) لم يكن من بينهم مشرك واحد، وفي الفترة التي تقع بين إعلان (البراءة من المشركين) ووفاة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- طبق الرسول (أمر البراءة) بحذر شديد وكياسة سياسية بارعة، وتجنب الاصطدام بالقبائل، ولذلك كان يكتفي من وفودها بإعلان إسلامهم، ويرسل معهم عند عودتهم مسلمين يعلمونهم الإسلام في بلادهم، والواقع أن (إعلان البراءة) بوقف الوثنيَّة نهائيًّا، أمر لا يُمكن إدراك أبعاده، إلَّا إذا نظرنا إلى المسألة من جانبها الحضاري و (الاستراتيجي) كضرورتين يرتبط بعضها ببعض، وتسوقان إلى اتخاذ إجراء حاسم كهذا.

فأمَّا أولاهما: فهي أنَّ الوثنية، على خلف سائر الأديان الأخرى، تمثل الدرك الأسفل في موقف الإنسان الديني من الكون، موقف يشده إلى الحجارة، ويصده عن التقدم إلى الإمام، ويحجب عن بصيرته الرؤية الشاملة لدور الإنسان في الأرض وعلاقته بالقوى الأخرى في الوجود، ولو بقي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015