إنَّ سنة التفضيل والاختيار والاصطفاء سنة ماضية في التاريخ البشري؛ قدرًا وشرعًا وواقعًا، فقد تفاضلت الأمم في تاريخها الطويل، وتمايزت على الرغم من التشابه بين بعضها وبعضها الآخر من وجوه عديدة، ويحفظ التاريخ لكلِّ أمَّة في القديم أو الحديث ذاتية خاصة تميَّزت بها عن سائر الأمم الأخرى.
وإذا كان تَميُّز الأمم يرتكز على المواهب والقدرات الذَّاتية في المقام الأول، فإنَّ هناك جوانب أخرى للتميُّز المكتسب، بعضها شرعي وبعضها الآخر وضعي من صنع البشر، قد يرتكز على حقائق، أو يكون من قبيل الادعاء والغرور (?).
ولا يتسع المجال هنا للإلمام بنماذج عدَّة توضح هذه الجوانب المتنوعة التي ظهرت في تلك الأمم عبر التاريخ؛ بي أنني أكتفي بذكر التميُّز الشرعي الذي حازته أشهر الأمم الكتابيَّة (اليهود والنصارى) بسبب استقامتها على شرع اللَّه كما هو الشأن في بني إسرائيل حين وصفهم اللَّه بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الجاثية: 16]، وقوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ