والمعروف "أولًا" أن تلك قصة بني إسرائيل في التيه1، و"ثانيًا" أن ما حدث في سدوم وعمورة، إنما كان لأن قوم لوط عليه السلام كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء2، ومن ثم فقد "أمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء، وقلب كل المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض"3، ومن هنا رأى بعض العلماء أن هناك شَبَهًا بين مصير قوم عاد وثمود من ناحية، وبين مصير سدوم وعمورة وبقية مدن الدائرة في عمق السديم4، من ناحية أخرى، ولعل هذا هو السبب في اضطراب فكرة "دي فرتيما"، ومن ثم فقد ذهب إلى أن مدائن صالح والعلا، هما سدوم وعمورة.
وأيًّا ما كان الأمر، ففي عام 1509م، يتابع "دي فرتيما" رحلته إلى الجنوب، وهناك في عدن يتهم بأنه نصراني يتجسس لحساب البرتغاليين الذين كانت سفنهم نشطة أمام السواحل العربية الجنوبية، فيتم القبض عليه، ويودع في قصر السلطان تمهيدًا لإعدامه، وهنا يتجه "دي فرتيما" في كتاباته وجهة دنيئة، فيجعل من زوج السلطان إمراة العزيز، ويجعل من نفسه الصديق، ثم تنتهي مغامراته الفاشلة بالرحيل إلى بلاد الفرس ثم الهند، حيث يقوم هناك بدوره الحقيقي، دور الجاسوس لملك البرتغال، وينال جزاءه على ذلك، فتكرمه جامعة البندقية، وينال حماية أسرتين كبيرتين هناك، فتكرمه جامعة البندقية، وأخيرًا تتم الدراما بأن يعلن الكاردينال "كارفجال" حمايته لـ "دي فرتيما" فضلا عن الإنفاق على ترجمة مؤلفه إلى اللاتينية5.
ولعل كل ما قدمته هذه الرحلة خريطة لشبه جزيرة العرب، -كما رسمها بطليموس، منذ ثمانية عشر قرنًا- وبعض المعلومات المشوهة عن المدينتين المقدستين، مكة والمدينة، ثم مقارنة جغرافية بين العربية الشمالية، والعربية الجنوبية، وقبل ذلك