بالمعنى المعروف، وإنما كانت أقرب ما تكون "اتحادا فدراليا" "Cofederation قبليا، تشغل فيه قبيلة كندة مركز الصدارة، وتتولى فيه الحكم أسرة من أسرها1.
وأيا ما كان الأمر، ففي الربع الأخير من القرن الخامس الميلادي2، وربما في حوالي عام 480م3، أصبح "حجر بن عمرو آكل المرار" ملكا على كندة في قلب نجد، وانتزع جانبا من الأرض التي كانت تحت سيطرة المناذرة، ثم نزل في مكان يدعى "بطن عاقل" -جنوب وادي الرمة على الطريق بين مكة والبصرة4، وهكذا -كما يقول الدكتور عمر فروخ- تسرب النفوذ الأجنبي إلى مكان جديد في شبه الجزيرة العربية، نفوذ رومي مناهض لنفوذ الفرس في الحيرة، ومغلف بسياسية يمنية ظاهرة5، إلا أننا لا يمكننا أن نقبل وجهة النظر هذه ببساطة؛ ذلك لأن الدكتور فروخ نفسه يوافق الروايات العربية التي ذهبت إلى أن الذي أقام حجرا ملكا على كندة، إنما هم الحميريون وليس الروم أو الأحباش، كما أن اليمن لم تكن وقت ذاك تسير في فلك النفوذ الرومي أو الحبشي، فضلا عن أن ملوك كندة إنما عملوا بعد ذلك عند الفرس، وليس عند الروم أو الأحباش، كما سوف نرى وإن تحالفوا مع الروم حينا من الدهر.
وعلى أي حال، فإن حجرا، إنما يدعى عند المؤرخين العرب "آكل المرار"، ويعللون ذلك بقصة خلاصتها: أن حجرا قد سار بقبائل ربيعة لغزو البحرين، فعلم بذلك "زيادة بن الهبولة" من سليح بن حلوان، فأغار على غمر كندة، وقتل من وجد من الرجال، واستولى على الأموال، وسبى النساء، ومن بينهم "هند" زوج حجر نفسه، وما أن يعلم حجر بهذا الأمر، حتى يسرع فيدرك زياد عند "البردان"، فينزل على ماء يقال له "الحفير" -على مقربة من عين أباغ بين الفرات والشام- ويرسل رجالا ليأتوه بخبر زياد، وهنا يعلم -عن طريق رجل يقال له سدوس- أن هندا إنما هي راضية عما حدث، وأنها قد أجابت زيادا عندما سألها عن موقف