ومنها "خامسا" أن النص إنما يفيد أن امرأ القيس قد فتح معظم شبه الجزيرة العربية، ومن ثم فهذا يتناقض والروايات التي تنسب إلى "شمر يهرعش" الفتوحات العظيمة، وتجعله فاتحا للعراق وما وراءه حتى الصين، وتعكس القضية تماما، بل إن النص إنما يصل بفتوحات امرئ القيس حتى أسوار نجران، ومن ثم فقد سمي -كما يقول النص- "ملك العرب كلهم" و"لم يبلغ ملك مبلغه"، وبعبارة أخرى فقد مد حكمه من الحيرة وبلاد الشام إلى نجد والحجاز، حتى بلغ مدينة نجران1، وإن كان يبدو لي أن في النص مبالغات، شأنه في ذلك شأن روايات الأخباريين عن "شهر يهرعش"، وإن كانت الأخيرة تكاد أن تكون أقرب إلى الأساطير منها إلى حقائق التاريخ.

على أن في "نقش النمارة" عبارة تدعو إلى التساؤل، وذلك حين يقول النقش "واستعمل أبناءه على القبائل، ووكلهم على الفرس والروم" مما دعا بعض الباحثين إلى أن يرى امرأ القيس قد جاء إلى الشام -حيث كتب النص بعد وفاته في النمارة- على إثر خلاف بين أمراء الفرس على العرش وأن الخلاف قد انتهى في غير مصلحة الحزب الذي كان يؤيده امرؤ القيس، ومن ثم فقد أقام في الشام، وبدأ يتجه نحو الروم، الذين انتهزوا الفرصة فأقروه على عرب الشام، وبالتالي فإن الرجل قد عمل في أول أمره للفرس، ثم بعد ذلك للروم2، ومن ثم فإن القراءة الصحيحة، ربما تكون "واستعمل أبناءه على الشعوب وجعلهم فرسانا للروم"، وهذا يعني أن امرأ القيس كان يعمل عند وفانه للروم فحسب، لأنه ليس من المقبول أن يذكر عمله للفرس في نص مكتوب في بلاد تخضع للروم، وحتى لو كان قد امتلك هذه المنطقة بحد السيف، فالمنطق هنا يستدعي عدم ذكر الروم، ويرى "كلير مونت جانيو" أن لفظ التاج وحده كاف على علاقة امرئ القيس بالفرس، لأنه من ألقاب ملوك الحيرة، وأما وجود قبره في حوران، فربما كان دليلا على أن سلطته قد امتدت إلى هناك3، ومع ذلك، وعلى فرض صحة تفسير، "كلير مونت جانيو" هذا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015